الجمعة، 18 مايو 2012

مصر.. والثورة التي يأكلها ابنائها



ليل خارجي .. اوائل فبراير 2011 .. قهوة صغيرة جانبية بوسط البلد بها الثوّار اكثر من الكراسي وزجاجات الماء الفارغة .. غبار وضواء قرع على متاريس حديدية ودم .. بهجة تولد من جوف العتمة .. مناقشة ومناظرة صغيرة كل بضعة امتار .. كانت تلك المرحلة الزمنية الواقعة ما بين موقعة الجمل واعلان التنحي .. كانت تلك اللحظة النادرة التي لم يشهد الوعي الجمعي للمصريين سطوعا مثلها .. وكان القاسم المشترك للأمل فكرة واحدة ترددها مختلف الأصوات وبصياغات مختلفة : هذه الوحدة ابدا لن يقدر عليها أحد.

تستعيدني ذاكرة المشهد الآن وقبل ايام قليلة من اجراء اول انتخابات رئاسية بمصر ما بعد الثورة .. منتصف مايو 2012 .. انها الثمرة التي سالت من اجل انباتها دماء مصريين آمنوا بالحق في الحريّة وبامكانية التغيير.. الثمرة التي من اجلها ارتدت الأمهات لون الحداد طواعية علها تجد تعويضا مناسبا في تحقق مستقبل مشرق لابناء الأخريات بهذا الوطن .. وهي نفس الثمرة التي اصبح ينهش فيها الآن بكل أنانية من روجوا من قبل للآخرين أحلام الوحدة على الهدف وضرورة انسحاب الذات امام الحلم الكبير الذي لا يخص احدا بل كل واي احد حلم الوطن .. ولكن عندما تنغرز اسنانك بثمرة محرمة لن تستطيع ابدا ان تمنع عن المزدوج بداخلك شهوة الاسترسال .. ولن تكتفي بنهش ثمرة سرابية معلقة برضا سلطة تنهش هي الأخرى بجسد الثورة انتهاكا وتعذيبا وتقتيلا .. بل ستتحول سريعا لنهش كل من تسول له نفسه الأقتراب من حلمك انت وذاتك .. لا يهم ابدا ان كنت يوما قد عانقت يدك يده امام قنابل الغاز والدخان .. لن يصنع فارقا كبيرا انك يوما كنت مستندا على جدار لزنزانة ضيقة كتب عليها هو قبلك اسم الحرية .. ولان الحلم اصبح ذاتيا .. جدا .. ولا متسع فيه للأغبياء او الدراويش الذين احترفوا مهنة صنع الإله .. فلا مانع ابدا من مسح اثار الدماء مازالت تلطخ الحذاء الثقيل .. وكم سيكون جميلا لو قمت بضم القاتل الى زمرة الشرفاء .. وبالطبع ضروريا جدا ان تفعل كل ذلك باسم الدين .. اكذب باسم الله .. ونافق باسم التقية .. وزيف باسم الضرورة .. وازرع الكراهية اينما حللت باسم الولاء البراء .. احتقر المرأة والفنان واليساري والليبرالي لكن احرص ان تمنحهم ما يريدون من وعود براقة يندفعون نحوها-نحوك كفراشات بلهاء تستدعي مصير الاحتراق .. مازالت الثمرة تقف بالحلق؟ سخر اقلام متلونة وابواق جوفاء .. انتشر .. اغرق المدى بصورك الملونة والتي تحرص فيها على الابتسام بحنان الأب وحكمة الأولياء .. كن دائما امامهم ومن خلفهم .. ولا تنسى ابدا وانت تبيع دم الشهداء ان تبدأ حديثك بالترحم على الشهداء!

السادة المرشحون الثوريون .. السادة المتناحرون على مقعد كرتوني مرصع بعيون ضحايا محمد محمود واشلاء ضحايا ماسبيرو .. السادة الفرقاء .. انهشوا اكثر .. تعروا اكثر .. اخرجوا كل ما في جعبتكم من غرور وانانية وحب للذات .. اقتلوا الثورة اكثر واكثر .. اصدموا كل وعي صدق وآمن وبذل .. وتنافسوا على اقتناص دور حجر الهاوية ..فهذا وحده ما سيضمن اندلاع ثورة القيامة .. الثورة الحقيقية .. بلا أصنام او ادعياء .. ولكن احذروا انتم ومن خلفكم ومن تتوجهون نحوهم .. فاكثر رعبا من ثورة الجائعين هي ثورة اليائسين .. والذين كفروا برجل الدين والسياسي والقائد والمناضل .. ثورة الغضب على الذات! 

المجد لك وحدك يا وطن ..مريض بالأمل لكنه محكوم بالعذاب.





ليست هناك تعليقات: