الأحد، 27 مايو 2012

الحكم الفاشي المزدوج ..نعم ضد الإخوان والمتحالفين معهم اتحدث!


ما ان انتهى اثر الصدمة الأولى لخروج مرشحي الثورة حمدين صباحي وعبد المنعم ابو الفتوح من سباق الانتخابات الرئاسية وانحصار المنافسة في الإعادة ما بين احمد شفيق احد اركان وممثلي النظام السابق وبين محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين حتى بدأ انهمار سيل من الدعوات الداعية للتخندق وراء مرشح الجماعة بدعاوى مختلفة منها ان الجماعة تبقى جزءا من الثورة وليس النظام وان الاختيار التكتيكي لهذه المرحلة يقتضي اولا الاطاحة بآخر بقايا النظام البائد وان الغاية الأولى هي انهاء هيمنة وسيطرة المجلس العسكري على حكم البلاد فترى هل هذه الدعاوى صحيحة وهل بمقتضى هذه الدعاوى سنصل بالفعل الى الغاية المنشودة؟

اولا هناك فارقا بين ان تكون جزءا من ثورة او ان تكون قد شاركت بها .. ان تكون جزءا معناه ان تكون من الداعين والبادئين ثم الداعمين والثابتين على الموقف لا ان يتغير موقفك وخطابك وفقا لمصالحك الذاتية وتوازناتك الخارجية .. وقتها ينسحب منك حتى وصف المشاركة ليتحول الى الارتزاق والنفعية .. وهذا بالظبط هو عين ما مارسته الجماعة طوال عام ونصف تقريبا هي عمر هذه الثورة بداية من التحالف مع العسكري لتمرير التعديلات الدستورية المعيبة ومرورا بغض البصر بل وتبرير المجازر التي ارتكبت بحق الثوار في ماسبيرو ومجلس الوزراء ومحمد محمود ثم الحنث بالوعد الشهير الذي قطعوه على انفسهم بعدم الطمع في السلطة او الرغبة في الترشح للرئاسة لينطلقون بعدها معلنين عن انفسهم بشكل صريح يريد الاستحواذ على كل مفردات الدولة من لجنة كتابة دستور وبرلمان وتشكيل حكومة .. هذا النكوص المتكرر والتراجع في الوعود طبقا للمصالح هو بالظبط ما نحتاجه الآن للانتقال الى الفكرة التالية وهي هل بالفعل سيؤدي التخندق وراء مرشح الجماعة ومن ثم الصعود بمرشحها لسدة الحكم بمصر الى انهاء حكم العسكري والذي سيكون احمد شفيق في حال نجاحه مجرد معبر عن ارادته ؟

الإجابة كنت اتوهم كونها واضحة خاصة لنخب ومثقفين وصنّاع للرأي العام ادمنوا نصح مريديهم ومتابعيهم بقراءة التاريخ والتعلم من دروسه بيد ان البعض لدوافع ايدولوجية والآخر لاسباب شخصية بحتة اندفع دون تفكير –او ربما بعد تفكير عميق – نحو الترويج لوهم الثقة بفصيل كل تاريخه يشي بالمراوغة وعدم الثبات على الموقف وهو ما يفتح باب الاحتمال المنطقي لسيناريو مختلف تماما هو الاكثر افزاعا لكنه بذات الوقت الاكثر واقعية واتساقا مع اطراف المعادلة ،دعونا نتصور ان التحالف قد نجح وقد دفع بممثل الجماعة الى كرسي الرئاسة على حساب مرشح تكاتفت كل اجهزة الدولة الخفية والمعلنة في سبيل تدعيمه بكل الطرق الممكنة –مرشح مفضل للمجلس العسكري- فهل سيدفع هذا من بيده القرار للتنكيل بالجماعة والانقلاب على شرعية مكتسباتها (حوار عمرو موسى واشهار كارت الامن القومي ) وبالتالي المغامرة بثورة اخرى ممكنة وحالة واسعة من الفوضى قد تطال ثبات اركانه هو ؟ ام هل تتوحد الجماعة مع الثورة ومطالبها وتدخل في صراع صريح مع المجلس العسكري يهدد بتبديد مكاسب خيالية لم يدر ببالهم ان يحققوا نصفها يوما ما ؟ لأننا نعيش بالواقع ونتعامل من خلال علاقتي المصلحة والضرر فلن يكون هذا او ذاك بل ببساطة هو اعادة ذلك التحالف المتواطيء ما بين الجماعة والمجلس العسكري في صيغة تقسيم صلاحيات وسلطات (غنائم) بما يضمن للجماعة ما سعت اليه وتسعى من هيمنة على البرلمان والرئاسة ومؤسسات دينية ومدنية مقابل وضع خاص للجيش وصلاحيات موسعة للمجلس العسكري تبقيه الحاكم الفعلي للبلاد وتبقى قضايا هامشية كتشكيل الحكومة مثلا رهنا بسجال الشد والجذب (الابتزاز) بينهما وحسب مقتضيات الأمور!


هذه هي الصيغة الاكثر توافقا مع الواقع المستقبلي القريب وهي ان حدثت فستكون النهاية شبه الحقيقية لأي مد ثوري ممكن ان يبعث من جموده النازف للشعبية والمتعثر بين كيانات معقدة ومحترفة لن تسمح له بالحياة بقدر استخدامها له كفزاعة مزدوجة !

حسنا وما الحل ؟ انه السيد المرشح احمد شفيق ! ليس بدعمه والاستقطاب له كما انجرف النصف الثاني المقابل من هول فزاعة المبالغة من حكم ديني متزمت يعيدنا للقرون الوسطى .. بل بأن نتذكر جميعا اننا نمارس فعلا ثوريا لا طقسا احتفاليا .. بان تتم اعادة الاعتبار للشارع والميدان وفضيلة الاعتراض والممانعة .. بالاصرار على الشرعية وسيادة القانون سواء من تفعيل للعزل او فتح للتحقيقات في البلاغات المكدسة بمكتب النائب العام (اختيار مبارك) وكذلك التحقيق العادل في ما عبأ المدى من رائحة تزكم الانوف لتسويد بطاقات وتصويت لمجندين وعسكريين له ناهيك عن المخالفات الاساسية المنتهكة لقوانين الانتخابات .. الحل هو الحشد والتوحد .. وعدم اليأس او الانجراف نحو معادلة اخف الضررين فعندما ينخفض سقف طموحك لن تجد السقف ذاته وانما ستضطر للمفاضلة ما بين الركوع او السجود فقط تبعا لهويّة من يغتال حلمك!




الجمعة، 18 مايو 2012

مصر.. والثورة التي يأكلها ابنائها



ليل خارجي .. اوائل فبراير 2011 .. قهوة صغيرة جانبية بوسط البلد بها الثوّار اكثر من الكراسي وزجاجات الماء الفارغة .. غبار وضواء قرع على متاريس حديدية ودم .. بهجة تولد من جوف العتمة .. مناقشة ومناظرة صغيرة كل بضعة امتار .. كانت تلك المرحلة الزمنية الواقعة ما بين موقعة الجمل واعلان التنحي .. كانت تلك اللحظة النادرة التي لم يشهد الوعي الجمعي للمصريين سطوعا مثلها .. وكان القاسم المشترك للأمل فكرة واحدة ترددها مختلف الأصوات وبصياغات مختلفة : هذه الوحدة ابدا لن يقدر عليها أحد.

تستعيدني ذاكرة المشهد الآن وقبل ايام قليلة من اجراء اول انتخابات رئاسية بمصر ما بعد الثورة .. منتصف مايو 2012 .. انها الثمرة التي سالت من اجل انباتها دماء مصريين آمنوا بالحق في الحريّة وبامكانية التغيير.. الثمرة التي من اجلها ارتدت الأمهات لون الحداد طواعية علها تجد تعويضا مناسبا في تحقق مستقبل مشرق لابناء الأخريات بهذا الوطن .. وهي نفس الثمرة التي اصبح ينهش فيها الآن بكل أنانية من روجوا من قبل للآخرين أحلام الوحدة على الهدف وضرورة انسحاب الذات امام الحلم الكبير الذي لا يخص احدا بل كل واي احد حلم الوطن .. ولكن عندما تنغرز اسنانك بثمرة محرمة لن تستطيع ابدا ان تمنع عن المزدوج بداخلك شهوة الاسترسال .. ولن تكتفي بنهش ثمرة سرابية معلقة برضا سلطة تنهش هي الأخرى بجسد الثورة انتهاكا وتعذيبا وتقتيلا .. بل ستتحول سريعا لنهش كل من تسول له نفسه الأقتراب من حلمك انت وذاتك .. لا يهم ابدا ان كنت يوما قد عانقت يدك يده امام قنابل الغاز والدخان .. لن يصنع فارقا كبيرا انك يوما كنت مستندا على جدار لزنزانة ضيقة كتب عليها هو قبلك اسم الحرية .. ولان الحلم اصبح ذاتيا .. جدا .. ولا متسع فيه للأغبياء او الدراويش الذين احترفوا مهنة صنع الإله .. فلا مانع ابدا من مسح اثار الدماء مازالت تلطخ الحذاء الثقيل .. وكم سيكون جميلا لو قمت بضم القاتل الى زمرة الشرفاء .. وبالطبع ضروريا جدا ان تفعل كل ذلك باسم الدين .. اكذب باسم الله .. ونافق باسم التقية .. وزيف باسم الضرورة .. وازرع الكراهية اينما حللت باسم الولاء البراء .. احتقر المرأة والفنان واليساري والليبرالي لكن احرص ان تمنحهم ما يريدون من وعود براقة يندفعون نحوها-نحوك كفراشات بلهاء تستدعي مصير الاحتراق .. مازالت الثمرة تقف بالحلق؟ سخر اقلام متلونة وابواق جوفاء .. انتشر .. اغرق المدى بصورك الملونة والتي تحرص فيها على الابتسام بحنان الأب وحكمة الأولياء .. كن دائما امامهم ومن خلفهم .. ولا تنسى ابدا وانت تبيع دم الشهداء ان تبدأ حديثك بالترحم على الشهداء!

السادة المرشحون الثوريون .. السادة المتناحرون على مقعد كرتوني مرصع بعيون ضحايا محمد محمود واشلاء ضحايا ماسبيرو .. السادة الفرقاء .. انهشوا اكثر .. تعروا اكثر .. اخرجوا كل ما في جعبتكم من غرور وانانية وحب للذات .. اقتلوا الثورة اكثر واكثر .. اصدموا كل وعي صدق وآمن وبذل .. وتنافسوا على اقتناص دور حجر الهاوية ..فهذا وحده ما سيضمن اندلاع ثورة القيامة .. الثورة الحقيقية .. بلا أصنام او ادعياء .. ولكن احذروا انتم ومن خلفكم ومن تتوجهون نحوهم .. فاكثر رعبا من ثورة الجائعين هي ثورة اليائسين .. والذين كفروا برجل الدين والسياسي والقائد والمناضل .. ثورة الغضب على الذات! 

المجد لك وحدك يا وطن ..مريض بالأمل لكنه محكوم بالعذاب.