الثلاثاء، 3 يوليو 2012

المرأة والتحول التراجيدي المقدس



عندما نرجع للوراء بضعة آلاف من السنين نجد ان العالم كان رجلا منتصرا انذاك .. وانه هو من دون التاريخ برمته لصالحه .. وبالنسبة لذاك المنتصر الموبوء بنرجسيته الذكورية فان تاريخ الحضارة الانسانية المدون غالبا لا يتعدى السبع آلاف سنة وقد يزيد هنا او هناك قليلا .. وذلك على الرغم من ان أقدم هيكل اُكتشف من الأنواع البشرية البائدة ( آردي ) قُدر عمره باكثر من اربعة ملايين عام وهو بالمناسبة لأنثى !

التاريخ الذي يلوكه البشر الان قد تم تدوينه بولادة المجتمعات الابوية .. اما ماحدث قبل ذلك فقد ذهب مع الريح .. أو ظل مندثرا ومردوما دون ان يمسسه احد .. ذلك الجزء من التاريخ يختزل بين طياته عصر المرأة اثناء نهوض المجتمعات الامومية وسيادتها على نواحي كثيرة من الحياة .

ان علم الانثروبيولوجي والآثار المتبقية كشفت جوانبا مختلفة عن الجزء الأكبر الذي يجسد دور النساء في العهد الامومي .. ويثبت كيف تمكنت من ترسيخ قواعد الحضارة الانسانية .. ومن افضل ما قرأت بخصوص هذا الموضوع كتاب رائع بعنوان ( تاريخ النساء في العالم ) للباحثة المشهورة ( روزلاند مايلز )

قامت مايلز باحصاء الحضارات القديمة في فصول كتابها والتي غفل عنها الكثير من الباحثين والمنقبين .. وتمكنت من إحياء المجتمعات الامومية واثبات وجودها بدلائل علمية منتقاة من خلال ما عثر عليه في مشارق الارض ومغاربها من بقايا سحيقة العمر .. ومن مخلفات اثرية ومتحجرات ومخطوطات وهياكل بشرية لأمم بائدة .. وفي النهاية استنطقت طيات الزمن السرمدي وبرهنت على ان النساء كان لهن اليد الطولى .. والصوت الأعلى .. والكلمة الأخيرة في تسيير امور الحياة ولمدة تقارب 25 الف عام.

في تلك الازمنة كثير من الآلهات وانصاف الآلهات كن اناثا .. وبقيت تلك الآلهات تعبد لآلاف السنين حتى في العهد الأبوي الذي احتضن مختلف الحضارات كاليونانية والرومانية والصينية والهندية والحضارات الشرقية الأخرى ..

فعلى سبيل المثال ظلت بقايا آثار الآلهات في منطقة الشرق الأوسط واضحة حتى بعد بزوغ عهد السومريين وازدهار الحقبة الفرعونية .. كذلك بعد نهوض حضارات دول الشام والأفارقة وجزيرة العرب .. لكن بعد انتشار الاديان بكل اطيافها وزحفها في دول الشرق والغرب .. تم اقتلاع جميع الجذور المتبقية من العهد الامومي وطمست رموزه المقدسة .

تاريخيا .. حتى العرب كن يقدسن آلهات انثوية وهن: اللات والعزى ومنات .. تلك الآلهات كن ذي مكانة خاصة وجليلة في نفوس العرب .. لذلك كن ملتفات حول الكعبة انذاك .. لكن مع رسوخ المجتمعات الذكورية وتصالب الاديان وتناميها .. تم تفتيت كل الرموز الأنثوية وتبديدها التي كانت منتشرة في بقاع الدنيا.

الجدير بالبحث هنا هو لماذا اعطى العالم القديم الانثى تلك المكانة واسدلوا عليها كساء الألوهية !
لماذا التف البشر حول آلهات انثوية وقدسوها !

نعود مرة اخرى الى تحليلات ( مايلز ) الرائعة ..
السبب ببساطة هو لأن المرأة كانت المعيل الاساسي للأسرة .. فقد كانت هي المسئولة عن الافراد في مجموعتها .. الأمر الذي اكسب المرأة سلطة وهيبة بجانب كونها منبع الحياة واكسيرها المتجدد ..

فقد كانت المرأة في العصور القديمة هي احد الاسباب الرئيسية في الحفاظ على سلامة التكتلات البشرية المتناثرة على اليابس وعامل هام في نجاتها من الاندثار .. فهي من رعت الصغار وحمتهم .. وساعدت الضعفاء وكبار السن على العيش ومواصلة المسيرة .

تاريخيا .. فان النساء في العصور البدائية هن اللاتي تحملن عبء توفير الماء والغذاء لجماعاتهن وذلك بجانب رعاية الاطفال و تربيتهم .. الإناث كن يجلبن تقريبا 80% من المؤونة لأفراد القبيلة .. بينما الذكور يعربدون ويهرولون في رحلات الصيد .. ويقنصون الحيوانات الكبيرة التي لا تصلح سوى لوجبة واحدة .. حيث يلتهمها الأقوياء منهم .. وما يتبقى منها يتهافت الباقون عليه ..والفتات والفضلات تترك مهملة فيصيبها العفن وتصبح غير قابلة للإستهلاك البشري .

إذن ( والكلام هنا لمايلز ) الرجال منذ فجر التاريخ كانوا يصيدون لملئ بطونهم .. ويعملون بروح الفرد لا الجماعة ويتسمون بفوضوية وهمجية في غالب الاحيان .. وهذا ربما يفسر ما آلى اليه حال العالم اليوم فالقنص مازال مستمرا في مجمله من اجل اقصاء الآخر وتوسيع المساحة لمطامع خاصة .

النساء عكس ذلك تماما فقد كان همهن اشباع الكل .. لذلك زاولن مهنة الزراعة وجمع المأكولات النباتية من خضار وفواكه .. كن يلتقطن ديدان الأرض وحشراتها حيث الفائض كان يجفف ويخزن .. ايضا احترفت المرأة مهنة صيد الاسماك والحيوانات الصغيرة لأنها سهلة القنص والقضم .. يتقاسمها افراد القبيلة ولا يتبقى منها شيئا ليتلف ..

من ناحية اخرى .. فقد اثبت علم الانثربيلوجي ان المرأة هي من علّمت الرجل اصول الزراعة وفنونها ولقنته قواعد صيد الاسماك ودرسته مبادئ الصناعة ايضا .

الخلاصة ..
ان التحول التراجيدي لوضع المرأة حدث حين قُدست القوة الجسدية واستبد منطق السلاح وسادت لغة العنف وظهر المجتمع الابوي وصار الرجل هو سيد الموقف .. حينها تم سحب البساط من تحت اقدام النساء واُسكتت اصواتهن وهمشت ادوارهن .. بل تم الغاء وجودهن حتى صار لايسمع ولا يشاهد في العالم سوى الرجال .ثم جاءت الاديان المتأخرة لتخبر ان الله ( هو ) ॥ وان الانبياء جميعا ذكور .. وأن المرأة مخلوقا ناقص .. نجس الا قليلا .. موضوع للمتعة الجنسية .. وبعد ان كانت الهة .. اصبحت امة وجارية .. شيطانا او كائنا يغوي